إيلي أنطون
هو في مساحته ضيّق وفي إنتشاره واسع، في إمكانيّاته ضعيف وفي طموحه شجاع. هكذا هو لبنان، إنّه لكلّ مغتربٍ بعيد، ولكن أقرب إليك ممّا تتصوّر، فكيف إذا كنت لبنانيًّا مغتربًا في فرنسا؟ ستجد لبنان في كلّ شارعٍ من باريس، ربّما تجده أكثر من مرّة. لا، هو الّذي يجدك، فلا تمرّ في شارعٍ من هذه العاصمة إلّا وتباغتك كلمة "لبنان" مكتوبة في إسم مطعمٍ ما، أو على شكل أرزةٍ مرسومةٍ فوق أحد المحّالّات... فهل تساءلت يومًا أين تجد لبنان بعلوّ أرزه وتميّز مطبخه وعبقريّة أبناءه في فرنسا؟ في ما يلي دعوة تشاركيّة لوضع قائمة بأبرز المعالم الّتي تَرُدُّنا من فرنسا إلى لبنان. كنّا أوّل من لبّى الدّعوة، فوضعنا هذه القائمة المصغّرة لتشاركنا أنت المعالم الّتي تعرّفت عليها على هذا الرّابط، فتطول القائمة وتتقلّص المسافة بينك وبين بلدك لبنان
في تجذّر أرزه متعلّقان بأرضهما كما ومنطلقان نحو كلّ العالم، اللّبنانيّ والأرزة تراهما متلازمان أينما كنت، وفرنسا ليست بإستثناء. يتجذّران ليتشبّثا أكثر، وإن انكسرا ينموان من جديد، فلا عواصف الأزمات ولا تقلّبات الأيّام استطاعت إلّا وأن تزيد عودهما قساوةً. من باريس إلى معظم المدن الفرنسيّة ينتصب أرز لبنان بعلوّه وثباته على نحو الأرزة اللّبنانيّة الأقدم المنتصبة في باريس في الـ “Jardin des Plantes” منذ أكثر من 285 سنة. كذلك في مدينة “Tours”، شلوح الأرزة تظلّل ساحة متحف الفنون الجميلة في المدينة منذ سنة 1804
المصدر
http://onvqf.over-blog.com/
في صدى أجراس كنائسه أصاب من قال أنّ لبنان "قطعة سماء"، فحدوده الضّيقة لم تتّسع يومًا فضاء طوائفه الواسع، ذلك لأنّ السّماء أقرب من الأرض إلى اللّه وتحمل الصّدى إلى أبعد من حدود الأرض. تحمله إلى حيث يعيش كلّ لبنانيّ ثابت على إيمانه، مسيحيًّا كان أم مسلمًا... ففرنسا، بلد الحرّيّات واحترام المعتقد والإختلاف، احتضنت الطائفة المارونيّة المشرقيّة من الكنيسة الكاثوليكيّة السّريانيّة الإنطاكيّة منذ سنة 1893 بتشييد كاتدرائيّة “Notre Dame du Liban” في باريس في 15 - 17 Rue d’Ulm, 75005. تمّ تدشين الكاتدرائيّة في 13 أيّار 1894 لتكون ملتقى اللّبنانيّين في باريس أيّام الآحاد. كنيستان مارونيّتان أخريتان في فرنسا تمّ تشييدهما تحت إسم “Notre Dame du Liban” في مدينتي Marseille وLyon
المصدر https://www.patrimoine-histoire.fr/
في طيبة مبادراته أن يغرق لبنان بمشاكله السّياسيّة والإقتصاديّة هو لأمرٌ محزن، ولكن كما يُشاع في خضمِّ كلِّ نقمة تولد نعمة. فاللّبنانيّ الرّازح تحت ثقل مشاكله وهمومه في غيابٍ تامٍّ للدّولة لم يجد يد العون إلّا في طيبة أخاه اللّبنانيّ. هي مشاكل البلد نفسها الّتي أظهرت طيبة الآخر وقدّستها. فمن تشارك وأخاه الهمّ، أراحه. هذه هي طينة اللّبنانيّ الحقيقيّة! ما من أرضٍ وطأها اللّبنانيّ إلّا ولم يسعه سوى نشر فيها طيبته واهتمامه بالآخر. أمسى هذا جزءًا من ثقافتنا. هذه الثّقافة نشرها اللّبنانيّ في فرنسا من خلال مبادرات عدّة وأعمال إنسانيّة وخدمة للمجتمع في أكثر من مجال. أكان في الصّليب الأحمر الفرنسيّ أو في جمعيّة "أنت أخي" فرع باريس، لا يوفّر اللّبنانيّ من طاقته ليقابل المجتمع الفرنسيّ بجهده وطيبته. الصّورة من ماراثون جمعيّة "أنت أخي" لدعم حقوق ذوي الحاجات الإضافيّة في Bois de Boulogne بتاريخ 13 أيلول 2015
المصدر https://www.lorientlejour.com/
في إنتشار مصارفه لا يُخيّل لك أن تمشي في شارعٍ من شوارع باريس ويطالعك فرعٌ من فروع بنك عودة في الشّارع المقابل. تستغرب بادئ الأمر، ثمّ تستذكر أنّ المصارف اللّبنانيّة معروفة بإنتشارها الواسع الّذي تخطّى حدود لبنان. أصبح لكلّ مصرفٍ لبنانيّ وجود في معظم دول العالم. نستذكر من مجمل 63 مصرف لبنانيّ المصارف الثّلاث الأكبر الّتي افتتحت فرعًا لها في العاصمة باريس لخدمة زبائنها اللّبنانيّين والفرنسيّين على حدٍّ سواء. فرع بنك عودة متواجد في 73 Avenue des Champs-Élysées, 75008، أمّا بنك بيبلوس فعلى مقربة منه في 15 Rue Lord Byron, 75008. كذلك بنك بلوم فقد إتّخذ من 21 Avenue George V, 75008 عنوانًا له
المصدر https://www.audi.fr/
في شهيّة مطبخه تحاول جاهدًا في فرنسا أن تتناسى شهيّة المأكولات اللّبنانيّة لتُعفيَ نفسك من عذاب الحرمان منها. لكن تخذلك رؤية صورة ما لطبقٍ لبنانيّ، وهي كفيلة لتعيد إليك الرّغبة بالعودة إلى لبنان لتستلذّ بالمطبخ اللّبنانيّ. لكن مهلًا، فقد يكون إيجاد مطعم لبنانيّ في فرنسا أسهل ممًا تتصوّر. ذلك لأنّك لست وحدك من يحبّ المأكولات اللّبنانيّة، بل الفرنسيّون أيضًا ومختلف الجنسيّات عمومًا. لأنّ تعدادها يكاد لا ينتهي، نذكر مطعمًا واحدًا في باريس يقدّم فنّ المطبخ اللّبنانيّ في أطباقٍ شهيّة. هو مطعم “L’Artisant Libanais” بفرعيه في 91 Rue de Belleville, 75019 و46 Rue Oberkampf, 75001 الّذين إفتتحهما مايكال وشارلي، إثنان من محبّي المطبخ اللّبنانيّ التّقليديّ الممزوج بلمساتٍ من مختلف المطابخ
المصدر http://artisan-libanais.com/
في قدسيّة رموزه للبنان رموزٌ حملها اللّبنانيّون معهم إلى كلّ العالم، فجعلوا منها أداةً للبننة أماكن عيشهم الجديدة. حافظوا من خلالها على شيء من ذاكرتهم الجماعيّة، خاصّةً في ممارسة شعائرهم الدّينيّة بكلّ تجلّياتها وقدسيّة رموزها. في بازيليك Lisieux للقدّيسة تريزيا الطّفل يسوع، لا تزال كتاباتٌ محفورة على سقف المذبح تشهد لأهمّيّة أرض لبنان ببعدها الرّمزيّ المقدّس من خلال عبارة “Veni de Libano sponsa” باللّغّة اللّاتينيّة، وهي تعني بالعربيّة "هلمّي معي يا عروسةً من لبنان" (من سفر نشيد الأناشيد 4:8). في هذه العبارة إشارة إلى أنّ أرض لبنان هي أرض التّنعّم والسّلام والقداسة، والدّعوة موجّهة للانطلاق بالجهاد الرّوحيّ من هذه الأرض اللّبنانيّة المقدّسة إلى كلّ العالم. تتّخذ الرّموز اللّبنانيّة في فرنسا أكثر من شكل، ففي بازيليك Fourvière أصبح لتمثال سيّدة لبنان - حريصا نسخة طبق الأصل، أصغر منه بعشرة أضعاف. هذا التّمثال للسّيّدة العذراء ما هو إلّا رمزٌ لبنانيّ بتنفيذٍ فرنسيّ، للنّحّات Frédéric Musy سنة 2011
المصدر https://www.routard.com/
في براعة فنونه الفنّ وليد المعاناة، والمعاناة قدر اللّبنانيّ منذ عقود. فبالرّغم من تأزّم أوضاع بلده وانحسار رزقه وتضييق معيشته، لم يضع القلم جانبًا يومًا بل أكمل الكتابة، لم يرمِ الرّيشة بل ثابر على الرّسم، ولا تخلّى عن الإزميل بل تمسّك بالنّحت. فهذا الفنّ يسكن في قلب اللّبنانيّ وإن سكن هو خارج لبنان. والدّليل أنّ فنّانون كثر من أصول لبنانيّة برعوا في فرنسا، منهم في العزف، أو في الرّسم، أو في مجالات أخرى... شارل صقر إسمٌ من بين الأسماء الكثيرة الّتي تعيش لفنّها ومن فنّها، فله في 7 Quai Voltaire, 75007 كاليري لأثاثٍ منزليّ من توقيعه، متأثّرًا بالتّصاميم الإيطاليّة من القرن السّابع عشر
المصدر http://www.charles-sakr.com/
في أفقيّة دكاكينه الدّكاكين اللّبنانيّة هي من يوميّات سكّان البلد، وذكريات من يسكن خارجه. فمن منّا لا يتذكّر أن تسلّل في صغره إلى دكّان الحيّ ليشتري منه ما طاب له من أنواع الماركات اللّبنانيّة، الّتي وإن وجدْتَ إحداها في فرنسا، عادت إليك بسمة بسيطة وذكرى قديمة من لبنان. ما لا يعرفه القادم حديثًا إلى فرنسا أنّ معظم الماركات اللّبنانيّة قد تجدها هنا في إحدى المحّالّات الّتي تبيع منتجات لبنانيّة أو عربيّة. نذكر منها “Les Délices de l’Orient” المعروف بين لبنانيّي باريس في 52 Avenue Emile Zola, 75015
المصدر http://lesdelicesdorient.com/
في نجاح علاماته التّجاريّة هي علاماتٌ تجاريّة طبعت نمط الحياة اللّبنانيّ، فأصبحت مرادفةً للبنان. إن رأيتها في مكانٍ ما، تذكّرت أنّها من لبنان، وإن أردت أن تخبر عن لبنان، لا بدّ لك وأن تردها في سياق كلامك. "بوظة بشير" هي واحدة منها. ومن فروعه المنتشرة في لبنان فرع الأشرفيّة، الدّكوانة، طريق المطار... لكن أن تعقب عبارة "بوظة بشير" بـ"فرع باريس" فهو ما لسنا معتادين عليه. إلّا أنّ "بشير" موجودٌ فعلًا في العاصمة باريس بعنوان 58 Rue Rambuteau, 75003 حيث يقصده اللّبنانيّون لتذوّق بوظة عربيّة بمذاقٍ لبنانيٍّ لذيذ
المصدر https://bachir.fr/fr
في روعة أبناءه بينك وبين لبنان تفصل آلاف الكيلومترات من أراضٍ وبحار. إن حاولت حصرها، حاصرتك بشساعتها وبمدى بعدك عن بلدك لبنان. لكن ماذا لو توقّفت عن البحث عن لبنانك في المحسوس والمرئيّ، ووجدته في فرنسا في أقرب لبنانيٍّ إليك؟ نعم، عندها تدرك أنّ الوطن ليس في أرضه بل في شعبه، في أبنائه المنتشرين في كلّ مناطق فرنسا. عندها فقط تدرك أنّ الوطن لبنان يعيش فيك أكثر ممّا عشت فيه. ولو خذل طموحاتك أو خيّب آمالك، لم تنكفأ عن الدّفاع عنه حتّى في ساحات فرنسا. أروع ما في لبنان هي روعة أبنائه! إن بحثت يومًا في غربتك عن لبنان، فاعلم أنّك ستجده في أقرب لبنانيٍّ إليكَ
المصدر: البيت اللبناني في باريس
Commentaires récents